تعليق على مذكرات الأرقش محمد زكريا

تأملات سريعة في مذكرات الأرقش

عند قراءتي لمذكرات الأرقش، اكتشفت أنني لأكثر من عقد من الزمن كنت أكتب لغيري وليس لنفسي، كما أيقنت أنّ هناك صنفاً من الكُتّاب يكتب لنفسه عن نفسه أو بنفسه، ويتخذ من القلم أداة حَفْرٍ ليبني سردابا خاصا به، يستر ذاته المنبوذة اجتماعيا، وشكله المشوه خِلْقِيّاً، ويسموا بنفسه غير المشاهدة للناس درجات متصاعدة؛ ليعانق سماء العفة والطهارة، ويتخيل العالم الملائكي غير المشاهد.
  • العمق الفلسفي
  • أسلوب الكتابة
  • تفاصيل الشخصيات
  • التعاطف والتقلبات
  • قلة التفاصيل الأخرى
4.8/5Overall Score
Pros
  • أسلوب الكتابة ممتع وجذاب
  • توصيف دقيق للشخصيات
  • عمق فلسفي ملهم
  • التأثير على عاطفة القارئ واستفزازه فجأة
  • الغموض في شخصية الأرقش يثير التساؤلات
Cons
  • قلة التفاصيل الأخرى
  • انعدام الأحداث الرئيسة
  • تقييد أماكن أحداث الرواية
  • تكرار بعض الجمل والكلمات
  • النهاية غير المتوقعة

أسلوب الرواية السهل الممتنع والمرن السلس، يأخذنا في رحلة سرية تجوب  خبايا  حياة الأرقش وةتبرز خفاياها التي أراد صاحبها أن تكون محبوسة داخل صفحات سودها بيده في جنح ليل أو غَبَشِ نهارٍ، في غرفته المتواضعة خلف المقهى حيث يعمل نادلا زهاء ثلاث سنوات. لكن الأديب الكبير ميخائيل نعيمة استطاع بأسلوبه الأدبي الراقي، ولغته الفخمة الفاخرة أن يطلعنا على السر المكنون، ساكتا هو الآخر، تاركا قلمه السيّال يسكب دموعه ليوضح ويُبِين.

كان الأرقش يصارع نفسه كل مرة يلتقط فيها أنفاسه تقريبا، فإذا ما سنحت له فرصة العزلة، أو الاختلاء بنفسه سرعان ما يكتشف أن لديه نفسان أو شخصيتان، تارة يجادل الأرقشَ المعلوم نِدّه المجهول، وتارة أخرى تَظْهر نفسه المثالية لتُنَظّر في عالم الملكوت، مُنتقدة نفسه الدّنِيّة في عالم الناسوت. ويحاول الأرقش في هذه الأثناء إعطاء نفسه مساحة واسعة لمناقشة القيم السامية المنسية، ويُحَلق في ساحاتها برهة من الزمن، ثم يبدأ في انتقاد السلوك البشري المتمثل في خوض الحروب، والقتل، والفتك، والسلب، والجشع، وما إلى ذلك.

منذ بداية الرواية، تعاطفت مع الأرقش، وأشفقت عليه؛ وذلك لما يعانيه من آلام الوحشة، وسوء معاملة من زبائن المقهى حينا، ومن صاحب المقهى نفسه أحايين عديدة. لكن عندما شارفت الرواية إلى الانتهاء، انقلب شعوري المتعاطف مع الأرقش إلى شعور أقرب إلى القصاص منه أو محاسبته -على الأقل- لما ارتكبه في حق المسكينة التي أزهق نفسها بأبشع الطرق عندما ذبحها بيده من شدة حبه لها!

تدور معظم أحداث مذكرات الأرقش في مقهى العجوز المصاب بالروماتزم، وغرفة الأرقش التي تقع خلف المقهى ونادرا ما تكون خارج هذا النطاق. وما زاد استغرابي، أنه لم ترد أسماء أو أماكن كثيرة في المذكرات سوى أسماء الأيام التي يُدون فيها أفكاره مجردة عن تواريخ وتفاصيل أخرى، وكثيرا ما تتخلل التدوينات حالات سكوت مطبق، والتي تتجلى في الجملة التي يفضل الأرقش أن يختتم بها فقراته أو أفكاره، قائلا: “لذالك سكتُّ والنّاس يتكلّمون“، وهذا قد يدل على درجة عالية من الغموض في شخصيته.

الحقيقة التي تستحق الاعتراف، هي: أنّ أسلوب تدوين الأرقش لم يترك عذرا لعازفٍ عن الكتابة والتدوين، أو لشخص يبرر عدم وجود أفكار للكتابة والتدوين؛ إذ ْيستطيع بكل سهولة أن يختزل أحداث يومه في كلمة “سكوت” أو “انشغال”؛ ليعبر عن حاله أو شعوره في يوم ما.  ومع ذلك، لم أستطع تحديد متى أستطيع أن أكتب عن نفسي لنفسي أو بنفسي وأتوقف قليلا عن الكتابة للآخرين!

شارك المراجعة مع المهتمين بها
محمد زكريا
محمد زكريا

باحث دكتوراة في التمويل الإسلامي والاستثمار المؤثر، وصانع محتوى​ رقمي. مهتم بقضايا وسط إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية.

المقالات: 17

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!