قصتي مع القهوة ... طقوس وعادات يومية

قصتي مع القهوة … طقوس وعادات يومية

لا أدري هل أنتَ مهوسٌ مثلي بشُرب القهوة خاصة في الصباح الباكر كأول خطوة عملية تفتتح بها يومك؟

أم أنت من ذاك الصنف الذي لا يهدأ له بال حتى يحتسي كأسا أو كؤوساً من الشاي (الأحمر أو الأخضر)؟

أو أنّك من أولئك الذين لا يوجد في جدولهم اليومي شيء اسمه “كَيْفٌ” أو “كافيين”؟!

على أيّة حال، …

القهوة من أجمل المشروبات المفضلة لدى كثير من البشر عبر العصور. فهي أيقونة الصباح التي تتشكل حسب العادات والتقاليد والبيئات، ورمزَ المساء عندما تُحْتَسَى بين العصر والمغرب، وهي أيضا رفيقة الكُتّاب، وصاحبةُ العلماء، وخليلة السمّار في السهر، ومعشوقة الذاكرين والعُبّاد وزادهم المفضل. للقهوة أنواعُ وأشكال حسب النبت والتحضير. فمنها ما هو فاتح اللون، أو غامق (داكن) أو متوسط بين هذا وذاك.

البعض يحضرها ويحليها بالسُّكّر حتى يغلب عليها طعمه، ومنهم من يفضلها أن تكون متوسطة السكر، والبعض الآخر يشربها سادة (مُرّة حلوة)؛ ليتركها تتحدث عن نفسها وتتراقص روائحها الطبيعية أمام شفتيه المرتعشتين شوقا لاستقبال الرشفة الأولى التي تُغْمَض عندها العينين، ويعقبها شهيق ممتزج بزفير ومصحوب برائحة القهوة الممزوجة بنسيم الصباح الباكر؛ لتحدث نشوة عجيبةً غريبةً، تسري في الجسد كله، قد لا تستطيع الكلمات وصفها بدقة؛ لكن يدركها وجدانيّاً كلّ من عاش لحظاتها الساحرة الفاتنة!

قصتي مع القهوة

هنا، لا أُحدّثك عن فوائد القهوة أو أضرارها، ولا عن أنواعها وكيفية زرعها وإنباتها، ولا عن أسعارها والبلدان المنتجة لها، الشبكة العنكبوتية مليئة بتلك المعلومات. فقط وددت مشاركتك طقس من طقوسي الصباحية الذي أمارسه ليس بانتظام حتى تكون شكل من الإدمان؛ ولكن بكيفٍ ومزاجٍ!

غالباً ما أفضل تناول الطعام والمشروبات الأخرى -بما فيها الشاي- مقدَّمَةً على طبق جاهزة، أو أنتقيها بنفسي لأشكل طبقي الخاص على نظام البوفيه المفتوح أو الصفرة العائلية متنوعة الأطعمة، حفاظا على الوقت، والتفرغ لأعمالي الأخرى -على الرغم من عيشي شبه وحيدا بحكم الغربة في فترة الطلب-  لا أطبخ إلا نادرا، وأحيانا أمارس الطبخ كهواية وتسلية فقط. أما القهوة -لمن يعشقها مثلي- أحضرها بنفسي، ولا أُفَضِّل أن تأتيني على طبق جاهزة، حتى ولو من يد أحبّ الناس إليّ؛ لأنّه قيل قديما، “حامل الطبق هو حامل الكلام”، والقهوة أسيرة السكون، مدغدغة خلايا المِخِيخ وآسِرةُ التفكير!

في الحقيقة، تألمت كثيراً في فترات الغربة، وتعلّمْتُ الكثير فيها، وتغيرتُ كثيراً؛ بل وتغيرت بعض عاداتي. ولكن الكثير من قناعاتي وقِيَمِي وبعض عاداتي العتيقة لم تتغير أبداً، منها عادة شرب القهوة، بل تطورتْ وتحسنّتْ وتهذبتْ أكثر فأكثر!

عندما أنهض من فراشي صباحا، وأؤدي واجباتي الروحية، أتجه نحو المطبخ رأساً، وأشرع في تحضير القهوة بطريقتي الخاصة. وأهم ما في الأمر، أن تكون سادةً طريةً نقيةً، وبمقادير محددة؛ بحيث تجعلها كافية لكأسٍ واحدٍ مُعَدٍّ لشخصٍ واحدٍ فقط، ولا إمكان لمشاركته مع الآخرين أو التناول منه مرة ثانية.

حجم الكأس ليس بالصغير المجحف، ولا الكبير المفسد للذة، ولا الواسع الذي يسدّ النفس، ولا الضيق الذي يسبب ضيقا في التنفس عند أخذ رشفة منه. وإنما ذاك الكاس المتوسط الذي يشرح الصدر، وينعش النفس، ويجعل العينين تأخذ دورة سريعة حوله قبل أن ترتعش الشفتين استعدادا لأخذ رشفة افتتاح، والمناخير (الأنف) تستنشق روائح القهوة تاركة إياها تداعب خلايا الرأس، وتحرك أعصابه؛ لكني لا أدري أين تستقر في نهاية المطاف.

بدأت شُرْب القهوة في سن المراهقة تقريبا؛ لأن شربها قبل ذلك يعتبر من الممنوعات حسب قاموس العائلة الذي يضمّ قائمة طويلة من الممنوعات من طيبات المأكل والمشرب والملبس وبعض التصرف السلوكي. المنع هنا منع تنزيهٍ وصيانةٍ وحفظٍ لصغار العائلة بشكل مؤقت، وليس منعُ تحريمٍ أبَدِيّ.  حينها كنت أشرب القهوة متوسطة السكر، وأحتسي غالبا كأسين في اليوم أو ثلاثٍ، وذلك بعد العصر غالباً كعادة اجتماعية أكثر منها طقوس شخصية؛ حيث يطلبها الشباب في مجالسهم في هذا الوقت تحديدا، وتتحلق النساء والفتيات عندما يجتمعن في بيت إحداهنّ في الوقت ذاته.

ولكني الآن، ولأكثر من ثلاث سنواتٍ، بدأت أحتسيها سادة (من غير سكر)، ثم خلال السنتين الأخيرتين أحيانا أضيف عليها قطعة من الزبدة الصافية في الصباح فقط، أما بعد العصر فأحتسيها سادة صافية، ولا أزيد عن كأسين في اليوم. وأحيانا يمر اليوم واليومين لا أتناول أيّ شيء من القهوة أو الشاي، إنه مزاجٌ وكيْفٌ!

يقولون: إضافة زيت جوز الهند مع الزبدة على القهوة مفيد للصحة، ومُعَزِّزٌ للكيف؛ لكني لم أجربه قط، ولا أظنني مجربه على الأقل في هذه الفترة.

أنتَ، وأنتِ ما قصتك مع القهوة أو شرابك المفضل، وما هي الطقوس الخاصة بك؟

هذه الخاطرة، نُشرت في الثامن من شهر يناير من العام الجاري على صفحتي على الفيسبوك،
والآن أنقلها هنا لتعم الفائدة!

قد بعجبك أيضا:

محمد زكريا

محمد زكريا

باحث دكتوراة في التمويل الإسلامي والاستثمار المؤثر، وصانع محتوى​ رقمي. مهتم بقضايا وسط إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية.

المقالات: 10

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: Content is protected !!