إنجازاتٌ صغيرةٌ لكنها تَعني لي الكثير!

إنجازات صغيرة لكنها تعني لي الكثير

في زحام الحياة؛ حيث يلهث الجميع وراء الطموحات الكبرى والأهداف المرموقة، أجد نفسي متعلقا بتلك اللحظات الصغيرة التي تبدو روتيناً مألوفاً في يوميات أحدنا، ولا يُلْقِى لها بالٌ؛ لكنها بمثابة قنديلٍ في عتمةِ ليلٍ  دامسٍ، يُضيء قلبي، ويُنير دروبي. قد يكون الإنجاز الكبير مُغرياً؛ لكنه ليس دائما الأصدق أو الأمكن، وليس في كل التفاصيل تكمن الشياطين!

هناك تفاصيل صغيرة تتخلل حياتنا، وخطواتٍ أولى نخطوها بشكل يومي، ونجاحاتٍ متواضعة نحققها على مدار الساعة لا تتلقفها الألسن، ولا تلتقطها عدسات آلات التصوير الحديثة رغم توفرها بين أيدينا كل لحظة وحين؛ لكنْ في هذه اللحظات المنسية يكمن الجوهر الحقيقي للحياة، ويتجلى المعنى الواضح للإنجازات!

حين أنجح في الاستيقاظ قبل الفجر، متجاوزاً إرهاقي، وأؤدّي واجباتي الروحية، وأحتسي قهوتي المفضلة في هدوءٍ، ثم أتفقد جدولي اليومي، أشعر كأنني امتلكت الصباح؛ بل اليوم بأكمله. وحين أجد الوقت لقراءة بضع صفحات من كتابٍ أو على الجهاز اللوحي، رغم فوضى الأيام وزحمة المهام، أعتبره انتصاراً صغيراً ضدّ الزمن المسلوب.

وعندما أتمكّن من رسم ابتسامةٍ على وجه شخصٍ عابرٍ يجمعنا الطريق أو الحافلة أو المصعد، دون سبب يُذكر، أعلم أنني أضفت لمسة من الضوء في يومه، وأودعتُ صندوق حسناتي نقطة إيجابية على الأقل.

وفي كلّ مرّةٍ ألتزمُ بحضور درس من الدروس، أو أنْهي واجباً كان مؤجلا، أشعر كأنني أحْرَزْتُ انتصاراً صغيراً ضدّ التسويف. وعندما ينتهي الدوام وأستعيد وقتي لنفسي، أو أمدّ يد العون لصديقٍ بحاجةٍ إلى دعْم، يتجدد داخلي الشعور بأنّ العطاء، ولو كان بسيطاً، يُضْفي معنًى أعمقَ للحياة. وحتى مجرد اتصال بالأهل والأقارب، ولو لدقائق، يمنحني دفئاً لا يعوّض، كأنني أُرَمِّمُ بذلك خيطاً خفيّاً بيني وبين جذوري.

نعم، ليست الحياة سباقاً نحو قممٍ بعيدة؛ بل هي فسيفساء من لحظات بسيطة تُجمّعها أيدينا، لتُشكّل لوحة ذات معنىً عميقاً. كلّث إنجازٍ صغيرٍ قد يكون همسةَ طمأنينة لصديقٍ قلقٍ، أو كلمة شكر لمن لا ينتظرها، أو حتى قدرة على كبح الغضب في لحظة انفعال. بلا شكّ، تخلق مثل هذه التفاصيل فروقاً لا تقاس، وتُغني الروح ببهجةٍ لا تُشترى.

لذلك، لا أبْخَس هذه الإنجازات الصغيرة حقها أبداً؛ لأنها تعني لي الكثير. إنها العلامات التي تدلّني أنني أسير على الطريق الصحيح، ولو بخطواتٍ متواضعة. فالحياة ليست في الوصول إلى القمم فحسب؛ بل في تذوّق كل خطوة على الطريق، وفي الاحتفاء بكل انتصار، مهما بدا صغيراً في أعيننا والآخرين. أليس “أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدومُها وإنْ قَلَّ“؟

_______________

محمد زكريا

محمد زكريا

باحث دكتوراة في التمويل الإسلامي والاستثمار المؤثر، وصانع محتوى​ رقمي. مهتم بقضايا وسط إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية.

المقالات: 17
error: Content is protected !!