نظام تمويل المناخ العالمي أداة جديدة للاستعمار أم وسيلة للنمو العادل؟

نظام تمويل المناخ العالمي: أداة جديدة للاستعمار أم وسيلة للنمو العادل؟

تواجه الدول النامية تحديات هائلة في التعامل مع التغير المناخي، إذْ تعتمد إلى حد كبير على التمويل الدولي لدعم جهودها في التكيف مع هذه الظاهرة العالمية والتخفيف من آثارها.

ومع ذلك، فإن نظام تمويل المناخ العالمي الحالي غالبًا ما يخضع لانتقادات حادة باعتباره أداة جديدة للاستعمار المالي؛ حيث يُبقي هذه الدول في دائرة من التبعية والديون.

وتَفْرِض الشروط المالية الصارمة والإملاءات المرتبطة بهذا التمويل قيودًا كبيرة على السياسات الوطنية والاقتصادية لهذه الدول، مما يحد من قدرتها على اتخاذ قرارات مستقلة تلبي احتياجاتها الفعلية.

وبناء عليه، يأتي هذا المقال بدافع من ضرورة إعادة النظر في نظام تمويل المناخ العالمي الحالي وإيجاد حلول بديلة تقوم على العدالة والإنصاف. يهدف إلى استكشاف كيفية إعادة هيكلة التمويل المناخي بشكل يعزز من استقلالية الدول النامية ويضمن مشاركتها الحقيقية في صنع القرار العالمي المتعلق بالمناخ، من خلال استعراض الأدوات المالية المستدامة التي يقدمها التمويل الإسلامي مثل القرض الحسن والمضاربة والوقف.

وتكمن أهمية هذا الطرح كونه تنبع من الحاجة إلى تجاوز السياسات التقليدية التي أثبتت فشلها في تحقيق التنمية المستدامة والشاملة، والبحث عن طرق جديدة يمكن من خلالها تحقيق توازن حقيقي بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.

ومع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن تطبيق مبادئ التمويل الإسلامي في السياق الدولي يواجه تحديات عملية وقانونية، تحتاج إلى جهود كبيرة لتذليلها وضمان فعاليتها في النظام المالي العالمي.

جدلية نظام تمويل المناخ الحالي

يشير مصطلح “نظام تمويل المناخ إلى تدفقات مالية من الدول الأكثر ثراءً لدعم جهود التخفيف والتكيف مع تغير المناخ في الدول النامية، وهو مفهوم يُروج له باعتباره خطوة نحو تحقيق العدالة المناخية وحماية البيئة على مستوى العالم. ومع ذلك، يذهب العديد من النقاد إلى أن الهيكل الحالي لهذا النظام لا يعكس سوى إعادة إنتاج لعلاقات الهيمنة القديمة، حيث يُكرس التبعية المالية والسياسية للدول النامية تجاه الدول الغنية.

إنّ الشروط الصارمة والديون المتراكمة، التي تصاحب معظم آليات التمويل المناخي الحالية، تُثير تساؤلات جدية حول مدى نزاهة هذا النظام: هل نظام تمويل المناخ الحالي حقًا أداة فعّالة لمعالجة الظلم المناخي العالمي؟ أم أنه يُستخدم كوسيلة مستترة لتأبيد هيمنة اقتصادية وسياسية للدول المانحة على حساب الدول المتلقية؟

هذه التساؤلات تتطلب تحليلاً أعمق للنظام الحالي واستكشاف بدائل أكثر إنصافًا، وهو ما يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء عليه من خلال مناقشة دور التمويل الإسلامي في تقديم نموذج تمويلي جديد يقوم على العدالة والمشاركة الحقيقية في صنع القرار.

ملامح الاستعمار الجديد في نظام تمويل المناخ العالمي

لفهم النقد الموجه لنظام تمويل المناخ العالمي، يجب الرجوع إلى السياق التاريخي للاستعمار وما بعد الاستعمار. pde استغلت القوى الاستعمارية في الشمال العالمي، خلال القرون الماضية، العمل والموارد من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتعزيز ثوراتها الصناعية واقتصاداتها، مما أدى إلى خلق فجوة اقتصادية شبه دائمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

وحتى بعد نهاية الاستعمار الرسمي، استمرت المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي في فرض السيطرة الاقتصادية من خلال قروض تنمية بشروط صارمة ومعقدة نوعا ما، مما أدى إلى خلق فخاخ ديون للعديد من الدول النامية، وخاصة الإفريقية، وهو ما اعتبره العديد من النقاد استمراراً للهيمنة الاقتصادية بوسائل جديدة (أسيموغلو وروبنسون، 2012).

وفي السياق نفسه، يعزز نظام تمويل المناخ الحالي هذه الديناميكيات؛ حيث تظل الدول النامية تعتمد على المساعدات المالية، وإملاءات السياسات من الدول الأكثر ثراءً، مما يعكس إطارًا جديدًا من الاستعمار. على سبيل المثال، تعاني دول مثل موزمبيق من الديون المتراكمة بسبب القروض المشروطة لمشاريع التكيف مع تغير المناخ، مما يقيد سياساتها المستقلة (معهد التنمية الخارجية، 2019).

وتواجه باكستان، رغم كونها من أكثر الدول عرضة لتغير المناخ، ضغوطاً لقبول قروض بشروط صارمة، مما أجبرها على تقليص دعم الطاقة وتبني سياسات تقشفية أثرت سلبًا على الفقراء وزادت من عدم الاستقرار الاقتصادي (البنك الدولي، 2020).

وبناء عليه، تشير هذه الديناميكية إلى أنّ النظام الحالي، بدلاً من أنْ يعالج أزمة المناخ بصدقٍ، يعزز النزعة التسلطية، ويفرض السيطرة عبر عدد قليل من الدول المتقدمة، مما يستدعي إعادة النظر في هذا النظام، من أجل إيجاد نهج يعزز العدالة والشراكة الحقيقية بين الدول.

الهيكل المعيب لنظام تمويل المناخ العالمي

لفهم الانتقادات الموجهة لنظام تمويل المناخ العالمي القائم، من الضروري الرجوع إلى السياق التاريخي لديناميات الاستعمار وما بعد الاستعمار. فقد استغلت القوى الاستعمارية في الشمال العالمي، خلال القرون الماضية، العمل والموارد من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لتغذية ثوراتها الصناعية وتعزيز اقتصاداتها. لم يسهم هذا الاستغلال في إغناء هذه الدول الاستعمارية فقط، بل خلق أيضًا فجوة اقتصادية واجتماعية دائمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

حتى بعد نهاية الاستعمار الرسمي، واصلت مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي (IMF) والبنك الدولي فرض السيطرة الاقتصادية من خلال تقديم قروض التنمية بشروط صارمة قادت إلى فخاخ الديون للعديد من الدول النامية. وكما يشير ناعوم تشومسكي (1999)، فإن هذه الممارسات لم تكن سوى استمرارًا للهيمنة الاستعمارية بأدوات جديدة، حيث تم استبدال السيطرة العسكرية بالسيطرة الاقتصادية والمالية.

وبالمثل، يعزز نظام تمويل المناخ العالمي هذه الديناميكيات بين الدول المانحة والمتلقية، إذ تظل الدول النامية تعتمد على المساعدات المالية وإملاءات السياسات من الدول الأكثر ثراءً، مما يعكس إطارًا جديدًا من الاستعمار. على سبيل المثال، تعاني دول مثل موزمبيق من الديون الثقيلة التي تراكمت بسبب القروض المشروطة لتمويل مشاريع التكيف مع تغير المناخ، مما أدى إلى تقييد قدرتها على تنفيذ سياسات مستقلة وفعّالة (Kleven, 2019).

تُظهر تجربة باكستان مثالاً آخر على الآثار السلبية لهذا النظام في آسيا. فعلى الرغم من أنها واحدة من أكثر الدول عرضة لتغير المناخ، اضطرت باكستان لقبول قروض بشروط صارمة من المؤسسات المالية الدولية لتمويل مشاريع الطاقة النظيفة والبنية التحتية المقاومة للكوارث. وقد أُجبرت على تقليص دعم الطاقة وتبني سياسات تقشفية، مما أثر سلبًا على الفئات الأكثر فقرًا وزاد من عدم الاستقرار الاقتصادي (Sattar, 2020).

هذه الديناميكية تكشف عن أن النظام الحالي، بدلاً من أن يكون أداة حقيقية لمعالجة أزمة المناخ، يخدم بشكل أكبر في تعزيز السلطة والسيطرة في يد عدد قليل من الدول المتقدمة. وبالتالي، يجب إعادة النظر في هذا النظام واستبداله بنهج يعزز من العدالة والشراكة الفعلية بين الدول، كما سيتضح في مناقشة الهياكل المعطوبة لتمويل المناخ والقضايا المتعلقة بالشرطية والسيادة في القسم التالي.

مشكلة الديناميات السلطوية غير المتوازنة

بموجب مبادئ “من يلوث يدفع” (Polluter Pays Principle وتُختصَر هكذا: (PPP) و “المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة (Common But Differentiated Responsibilities)، وتُختصَر همذ: (CBDR)، يُعترَف بأنّ جميع الدول تتحمل مسؤولية مشتركة في مكافحة تغير المناخ، مع التأكيد على أنّ الدول التي ساهمت تاريخياً بشكل أكبر في انبعاثات الغازات الدفيئة يجب أنْ تتحمل جزءًا أكبر من التكاليف.

 ومع ذلك، تبدو هذه المبادئ قاصرة في الممارسة العملية؛ حيث تواصل الدول الغنية، رغم مسؤولياتها التاريخية عن التلوث، الهيمنة على عمليات اتخاذ القرار داخل الأطر الدولية لتخصيص التمويل المناخي. هذه الهيمنة تترك الدول النامية بصوت ضعيف فيما يتعلق بكيفية تخصيص الأموال أو استخدامها (UNFCCC, 2020).

ويعزز هذا التوزيع غير المتوازن للسلطة وضعًا تكون فيه الدول النامية دائماً رهينة للإملاءات المالية والسياسية للدول الأكثر ثراءً، التي غالباً ما تكون مستعمراتها السابقة، مما يتيح لهذه الدول المانحة ممارسة تأثير كبير على السياسات البيئية والمالية العالمية (Escobar, 1995). على سبيل المثال، تظهر تجربة باكستان أن شروط القروض الممنوحة من المؤسسات المالية الدولية لتمويل مشاريع المناخ قد أجبرتها على تبني سياسات تقشفية أثرت سلبًا على الاقتصاد المحلي وزادت من الفقر (Sattar, 2020).

لا يؤدي هذا النهج إلى تكريس التبعية فقط؛ بل يحِدّ أيضاً من استقلالية الدول النامية في تشكيل مساراتها التنموية بما يتناسب مع احتياجاتها وأولوياتها. وهذا يعكس استمرارية لنمط من الهيمنة؛ حيث تُفرض قواعد اللعبة العالمية وفقًا للمصالح الاستراتيجية للدول المانحة، مما يحد من قدرة الدول النامية على اتخاذ قرارات مستقلة ومناسبة لتطوير اقتصادياتها ومجتمعاتها.

من هنا، يتضح أنّ الحاجة ملحة لإعادة النظر في النظام الحالي لتمويل المناخ؛ بحيث يُتاح للدول النامية فرصة أكبر للمشاركة الحقيقية في عمليات صنع القرار، وضمان تخصيص عادل وشفاف للتمويل بما يتوافق مع الاحتياجات المحلية، وهو ما سيتناوله القسم التالي عند مناقشة القضايا المتعلقة بالشرطية والسيادة.

محمد زكريا فضل - Mohamed Zakaria FODOL
التمويل الإسلامي هو الحل

دور التمويل الإسلامي: حلول أخلاقية

يقدم التمويل الإسلامي، الذي يقوم على مبادئ العدل والمساواة والعدالة الاجتماعية، إطارًا بديلاً يمكن أنْ يساعد في معالجة العيوب المتأصلة في نظام تمويل المناخ العالمي الحالي. حيث يشجع التمويل الإسلامي على المشاركة في المخاطر، ويحظر الفائدة (الربا)، ويدعو إلى الاستثمارات الأخلاقية التي لا تضر بالناس أو الكوكب (إقبال وميراخور، 2011). وتتماشى هذه المبادئ الأساسية جيدًا مع أهداف نظام تمويل مناخي عالمي أكثر عدلاً وإنصافًا. ويمكن تلخيص أهم تلك المبادئ فيما يلي:

1. تعزيز آليات التمويل الخالية من الديون

يؤكد التمويل الإسلامي على المشاركة في المخاطر بدلاً من التمويل القائم على الديون. فتتيح أدوات مثل المضاربة (شراكة في الأرباح حيث يقدم أحد الأطراف رأس المال بينما يقدم الآخر العمل أو الخبرة)، والمشاركة (مشروع مشترك حيث يسهم جميع الأطراف برأس المال ويشتركون في الأرباح والخسائر) أساسًا أكثر عدالة لتمويل مشاريع التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره (أحمد، 2004). ففي ظل هذه الآليات، يتقاسم الطرفان المانح والمستفيد المخاطر والمكافآت، مما يعزز علاقة أكثر توازناً ومصلحة متبادلة.

فعلى سبيل المثال، في ترتيب المضاربة، يمكن لدولة متقدمة أنْ تشارك مع دولة نامية لتمويل مشروع طاقة متجددة؛ حيث يتقاسم الطرفان الأرباح من المشروع بنسب تتناسب مع استثماراتهما الأولية. لن يؤدي هذا النهج فقط إلى تقليل عبء الديون على الدولة النامية؛ بل سيعزز أيضًا الملكية المحلية وبناء القدرات، وهو أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة (تشابرا، 2008).

2. دور القرض الحسن في تمويل المناخ

في إطار التمويل الإسلامي، يُعدّ القرض الحسن أداة مالية هامة يمكن استخدامها بشكل فعال لدعم مشاريع التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من آثاره. القرض الحسن هو قرض خالٍ من الفوائد، يُمنح لأغراض خيرية أو اجتماعية، وحتى سياسية ودبلوماسية؛ حيث يُتوقع من المقترض أنْ يعيد رأس المال فقط دون أيّ فوائد إضافية. هذه الأداة توفر حلاً تمويليًا عادلًا ومنصفًا، مما يسمح للدول النامية بالحصول على التمويل دون تكبد أعباء الديون الإضافية أو الدخول في فخاخ الديون المرتبطة عادة بالقروض التقليدية.

في سياق تمويل المناخ، يمكن استخدام القرض الحسن لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، وإعادة التشجير، والبنية التحتية المقاومة للتغيرات المناخية في الدّول النامية. فبدلاً من تحميل هذه الدّول فوائد مالية مركبة، يُقَدّيم التمويل كشكل من أشكال التضامن العالمي. وهذا يتماشى مع مبادئ العدالة الاجتماعية التي تعززها الشريعة الإسلامية؛ حيث يُعتبر القرض الحسن وسيلة لمساعدة الفئات الضعيفة دون تحميلها أعباء مالية إضافية (الكمالي، 2012).

إنّ اعتماد القرض الحسن في تمويل المناخ يسهم في خلق نظام مالي عالمي أكثر إنصافًا، ويعزز من القدرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وبهذا الشكل، لا تُضطر الدول النامية إلى الاختيار بين حماية بيئتها وتحقيق نموها الاقتصادي؛ بل يمكنها العمل على كلا الجبهتين بدعم من المجتمع الدولي، دون أن تتعرض لمخاطر فقدان سيادتها أو استقلالها المالي.

3. تطبيق مبدأ الزكاة في تمويل المناخ

يمكن لمبدأ الزكاة الإسلامي—المساهمة الخيرية الإلزامية للمسلمين، والتي تبلغ عادة 2.5٪ من ثرواتهم المتراكمة سنويًا—أنْ يكون نموذجًا لهياكل المساهمات في تمويل المناخ. إذْ يمكن للدول الغنية أن تلتزم بتخصيص نسبة محددة من ناتجها المحلي الإجمالي (المتعلق ببنود الضرائب والزكاة)كمنح، وليس قروضًا، لصندوق مناخ عالمي. ويمكن بعد ذلك توزيع هذا الصندوق على الدول الأكثر تعرضًا للتكيف مع المناخ ومشاريع التخفيف من آثاره (عبيد الله، 2015).

فعلى عكس القروض ذات الفوائد المركبة؛ لن تخلق هذه المنح أعباء ديون إضافية وستسمح للبلدان المستفيدة بتخصيص الموارد لتحقيق التنمية المستدامة دون المساس بسيادتها. هذا النموذج يكون مناسبا بشكل أكبر بين الدول الإسلامية خاصة، فترفد الدول ذات الفضل الدول صاحب العجز والعوز في تمويل مشاريعها المناخية.

لقد فُرضت الزكاة في الأصل لتقليل عدم المساواة وضمان العدالة الاجتماعية. فمن خلال تطبيق هذا المبدأ عالميًا، يمكن تحويل تمويل المناخ من نموذج يعتمد على التبعية إلى نموذج يعتمد على التمكين، مما يوفر للدول النامية الموارد المالية التي تحتاجها دون قيود الديون (كحف، 1999).

4. الاستفادة من الوقف (الأوقاف) للتنمية المستدامة

مفهوم الوقف أو الأوقاف الخيرية كان يستخدم تاريخياً في العالم الإسلامي لتمويل المنافع العامة مثل التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. ويمكن إنشاء وقف مناخ عالمي؛ حيث تُسهم الكيانات العامة والخاصة في صندوق مخصص خصيصًا لمشاريع متعلقة بالمناخ في الدول النامية (صادق، 2002). ويمكن إدارة هذا الوقف من قبل مجلس متنوع وتمثيلي، مما يضمن سماع أصوات الدول النامية، وأنْ تُخصّصُ الأموال بناءً على الاحتياجات الفعلية للمستفيدين.

على عكس آليات التمويل التقليدية، سيوفر نهج الوقف مصدرًا مستدامًا وطويل الأجل للتمويل يكون أقلّ عرضة للتلاعب السياسي. كما أنه سيسمح بمزيد من التحديد الإقليمي، حيث يمكن توجيه الأموال نحو المشاريع الأكثر صلة بالسياق المحلي، مما يزيد من فعاليتها وتأثيرها (جيزاكجا، 2011).

التوجّه نحو إطار شامل لتمويل المناخ

لتجنب عيوب الاستعمار الجديد، المتمثل في نظام تمويل المناخ، وتعزيز التعاون العالمي الحقيقي، يجب أنْ يخضع نظام تمويل المناخ العالمي لإصلاحات هيكلية كبيرة تضمن مزيدًا من العدالة والفعالية في مواجهة تحديات تغير المناخ، على سبيل المثال وليس الحصر:

  • إشراك الدول النامية في صنع السياسات: يجب أنْ تكون الدول النامية، وخاصة الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، جزءًا أساسيًا من عمليات صنع القرار داخل مؤسسات تمويل المناخ. إذْ يضمن هذا النهج تخصيص الأموال وفقًا للاحتياجات والأولويات الفعلية لهذه الدول، وليس بناءً على المصالح الاستراتيجية للدول المانحة (اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، 2020). كذلك، يمكن تفعيل أدوات مثل القرض الحسن لتعزيز تمويل المشاريع المناخية بطرق لا تزيد من أعباء الديون على الدول النامية.
  • دمج المعرفة الأصلية والتكيف المحلي: يجب الاعتراف بالمعرفة المحلية واستراتيجيات التكيف المحلي ودمجها في تصميم برامج تمويل المناخ، مما يمكن أنْ يعزز فعالية هذه البرامج بشكل كبير. ويجب إعطاء الأولوية للحلول الإقليمية المحددة بدلاً من النهج الموحد، مما يسمح بتطوير حلول مخصصة تتناسب مع السياقات البيئية والثقافية الفريدة لكل منطقة (غوبتا، 2014).
  • تَبَنِّي أدوات التمويل الإسلامي المستدامة: من المهم دمج أدوات التمويل الإسلامي مثل القرض الحسن والوقف لتوفير تمويل مستدام ومنصف للمشاريع البيئية، مما يسهم في تحقيق التوازن بين تحقيق التنمية الاقتصادية وحماية البيئة دون فرض أعباء ديون إضافية على الدول النامية.

الخاتمة

يكشف نظام تمويل المناخ العالمي المتوفر حاليا، رغم نواياه المعلنة لدعم الدول النامية في مواجهة التغير المناخي، عن تناقضات هيكلية تؤدي إلى تكريس التبعية وإعادة إنتاج علاقات الهيمنة القديمة بين الشمال والجنوب العالمي. فبدلاً من تعزيز القدرات الذاتية للدول النامية وتوفير فرصة حقيقية لها للمشاركة الفعّالة في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ، يفرض النظام الحالي قيودًا جديدة تتجسد في شروط قاسية وديون لا تنتهي.

لكن لماذا نلتزم بنظام يُكرس التمييز ويُعيد إنتاج عدم المساواة؟ لماذا لا نبحث عن نهج جديد يتيح للدول النامية فرصة حقيقية للمشاركة في صنع القرار وبناء مستقبلها المناخي بشكل مستقل؟ هنا يأتي دور التمويل الإسلامي، الذي يقدم نموذجًا بديلًا يقوم على العدالة والمساواة والمشاركة الحقيقية في المخاطر والفوائد.

تبني مبادئ التمويل الإسلامي يعني التحول من نهج يعتمد على فرض القروض والشروط الصارمة إلى نهج يقوم على الشراكات الحقيقية والمشاركة في الأرباح والخسائر. ويُعتبر القرض الحسن أحد الأدوات الفعّالة لتحقيق هذا الهدف، حيث يوفر تمويلًا خاليًا من الفوائد للدول النامية، مما يخفف من عبء الديون ويعزز من قدرتها على تنفيذ مشاريع مناخية ذات طابع مستدام دون المساس بسيادتها الاقتصادية (الكمالي، 2012).

فضلاً عن ذلك، يمكن استخدام أدوات أخرى مثل المضاربة والمشاركة لتعزيز التعاون بين الدول الغنية والنامية. فبدلاً من مجرد تقديم قروض بشروط مجحفة، تُقدّم هذه الأدوات فرصة للشراكة الحقيقية في تمويل المشاريع المناخية؛ حيث يكون الربح والخسارة مشترك بين طرفيْ المعاملة، ويكون لكل طرف مصلحة حقيقية في نجاح المشاريع. كما يمكن تعزيز استخدام الزكاة لدعم الفقراء والمجتمعات المتضررة دون مقابل، واستخدام الوقف كمصدر مستدام للتمويل لخدمة المصالح المشتركة للمجتمع بأسره (كحف، 1999).

في هذا السياق، يصبح تمويل المناخ أكثر من مجرد أداة مالية؛ بل يتحول إلى قوة محركة للتغيير الإيجابي. يمكن للدول النامية أنْ تقود جهودها بنفسها، وتبتكر حلولاً تتوافق مع احتياجاتها وظروفها المحلية، دون أنْ تكون مرهونة بإملاءات الدول الكبرى. هذا النهج يعزز من سيادتها واستقلالها المالي، ويتيح لها بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة للجميع.

  • يمكنك تصفح المدونة من هنا

مصادر يمكن الرجوع إليها:

  1. Ahmed, H. (2004). Islamic Banking and Finance: Theory and Practice. Princeton University Press.
  2. Bond, P. (2012). Politics of Climate Justice: Paralysis Above, Movement Below. University of KwaZulu-Natal Press.
  3. Chapra, M. U. (2008). The Islamic Vision of Development in the Light of Maqasid al-Shariah. Islamic Research and Training Institute.
  4. Chomsky, N. (1999). Profit Over People: Neoliberalism and Global Order. Seven Stories Press.
  5. Cizakca, M. (2011). Islamic Capitalism and Finance: Origins, Evolution and the Future. Edward Elgar Publishing.
  6. Escobar, A. (1995). Encountering Development: The Making and Unmaking of the Third World. Princeton University Press.
  7. Gupta, J. (2014). The History of Global Climate Governance. Cambridge University Press.
  8. Iqbal, Z., & Mirakhor, A. (2011). An Introduction to Islamic Finance: Theory and Practice. Wiley.
  9. Kahf, M. (1999). The Performance of the Institution of Zakat in Poverty Alleviation. Islamic Research and Training Institute.
  10. Kleven, A. (2019). “Mozambique and the Debt Traps: Financial Colonialism in the Context of Climate Change.” Journal of Political Economy.
  11. Obaidullah, M. (2015). Islamic Finance for Micro and Medium Enterprises. Islamic Research and Training Institute.
  12. Sadeq, A. (2002). “Waqf, Perpetual Charity and Poverty Alleviation.” International Journal of Social Economics.
  13. Sattar, M. (2020). “Climate Finance in Pakistan: A Debt Trap or a Pathway to Resilience?” Asian Development Policy Review.
  14. UNFCCC (2020). United Nations Framework Convention on Climate Change: Reports and Documents.

 

محمد زكريا

محمد زكريا

باحث دكتوراة في التمويل الإسلامي والاستثمار المؤثر، وصانع محتوى​ رقمي. مهتم بقضايا وسط إفريقيا الاقتصادية والاجتماعية.

المقالات: 10
error: Content is protected !!